حياٌة أدبًا "الثقافةُ لا تُشرى ولا تُباع" ألنَّارَجيلَة قُصرَحِيَّةٌ* رَمْزِيَّةٌ صامِتَةٌ من فَصْلٍ واحِد-ناجي نعمان (لبنان)
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
حياة أدبا

حياٌة أدبًا
"الثقافةُ لا تُشرى ولا تُباع"

ألنَّارَجيلَة
قُصرَحِيَّةٌ* رَمْزِيَّةٌ صامِتَةٌ من فَصْلٍ واحِد

  لوحةً لناجي نعمان بريشة الفنَّان سامي أبو خير    

بُطولَة:
ألنَّارَجيلَة : الوَطن.

يُشارِكُ فيها:
أبو كِبْل : صاحِبُ النَّارَجيلَة، الجَشِعُ الظَّالِمُ المُستَغِلّ.
رأسُ النَّارَجيلَة : السِّجنُ-المَقبَرة.  
صَحنُها : المُتَنَفَّس.
عُنُقُها : الحُرِّيَّةُ المَكبوتَة.
إناؤها وماؤها : الشَّعبُ-الأَداة.
نَرْبيدِجُها : السَّوط.
ألمِلقَطُ-المِخرَز : السَّيفُ المُصْلَت.
ألتُّنباك : الشَّعبُ المَظلومُ المُستَغَلّ.                     
ألفَحمَة : صوتُ الحِكمة.
ألجَمرَة : الشَّعبُ الثَّائِر.

النَّارَجيلَة، في عُرْف المَعاجِم اللُّغَويَّة، آلةٌ يُدَخَّنُ بها التَّنْبَكُ أو التُّنْباك، وتُعْرَفُ عندَ العامَّة بـ "الأَرْكيلَة".

وأمَّا النَّارَجيلَة، في عُرْف أبي كِبْلٍ، وهو أبرزُ المُشاركين في قُصرَحِيَّتنا  الصَّامِتَة الحاضِرة، فتُمَثِّلُ أداةً تُبْعِدُ عنه "هُمومَ" يومه، وتَحْمِلُ خَيالَه على ابتِداع الجديد من أصناف الجَشَع والظُّلم والاستِغلال في حقِّ بَني جِنْسه.

وأبو كِبْلٍ - والكِبْلُ أعظمُ ما يَكونُ من القُيود - صاحبُ نارَجيلَةٍ طَيِّعَةٍ بعامَّةٍ، قَلَّما يَجِدُ صُعوبةً في إخضاعها لمُتَطَلَّباته. وقد تَناوَلَها ذلك المساء، كعادته، وهَيَّأَها لخِدمته، فمَلأَ رأسَها تُنْباكًا، وجَعَلَ بالمِخْرَز، بينَ التُّنباك والعُنُق، طَريقًا، وأَحْكَمَ إقفالَ منافِذها.

وأَشْعَلَ الطَّاغوتُ فَحمةً، حتَّى، إذا ما اخْتَرَقَتْها النَّارُ، أَقامَها، بالمِلْقَط، على رأس نارَجيلَته، تُحْرِقُ تُنباكَها. ثمَّ انْطَلَقَ إلى رُكنٍ له على شُرفَة قَصره المُطِلَّة على أقْباء مَساكين قَريَته وأكواخهم، وراحَ يَسْحَبُ من دُخان نارَجيلَته، بوَتيرَةٍ سريعة، إلى أنِ اسْتَكانَتْ له الآلة، وتَمَكَّنَتْ نارُها من تُنباكها.

وشَرَعَ أبو كِبْلٍ، وقد سَيْطَرَ على الوَضع، يُعْمِلُ نَفَسَه في النَّارَجيلَة، على هَواه، فتارةً يَسْحَبُ نَفَسًا عن طريق نَرْبِيدِجها، فيُلْهِبُ تُنْباكَها، لا عُنُقَ تُسْعِفُ، ولا ماءَ في إناءٍ تُطْفِئ، وطَورًا يُهَدِّئُ الحَرَكةَ، ليُطَرِّيَ حَلْقَه ويُرِيحَ نَفَسَه، فيَسْحَبُ الفَحمَةَ المُشتعِلَةَ بالمِلقَط، ويُودِعُها صَحنَ نارَجيلَته. وما إنْ يَسْتَعيدُ نشاطَه حتَّى يُعيدَ النَّارَ إلى مَوْضِعها، أو يَسْتَبْدِلَ فَحمةً إلى انطِفاءٍ بأخرى مُسْتَعِرَة، ويُكْمِلَ مُمارسةَ هِوايَته.

وصادَفَ أنْ زادَتْ شَهِيَّةُ صاحِبنا، ذلك المَساء، عن المَألوف؛ فراحَ يَسْحَبُ، في شَراهَةِ الاستِمتاع، النَّفَسَ تِلوَ النَّفَس؛ وكأنَّ صوتَ الحِكمة حَوَّلَ نارَ الفَحمة جَمرةً جَعَلَتِ الشَّعبَ الثَّائِرَ يُسْقِطُ السَّوطَ بالصَّوت؛ فأَحْرَقَتِ الجَمرةُ حَلقَ أبي كِبْلٍ، وقَطَعَتْ نَفَسَه حتَّى اخْتَنَق، فتَوَقَّفَتْ فَقاقيعُ ماء الإناء عن إطرابه، وهَوى النَرْبيدِجُ وصاحبُه.

ومَرَّتْ دقائق، فانْطَفَأَتِ الجَمرةُ، وأُنْقِذَ، من التُّنباك، ما أُمْكِنَ إنقاذُه.



  * كلمةٌ من نَحت المؤلِّف، وتَعني قصَّةٌ مُمَسرَحَة.
من "الرَّسائل" - الرِّسالة الثامنة
©الحقوق محفوظة - دار نعمان للثقافة
  ناجي نعمان (لبنان) (2009-05-20)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

حياٌة أدبًا

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia